من وصايا أمير المؤمنين (ع)

الكاتب: السيد محمد حسين فضل الله

العدد القراءات: 711

تاريخ النشر: 2011-08-21

المبدأ الأول:

أوصيكما بتقوى الله...



أن تراقبا الله في كلّ شيء، وأن تعملا على أن تحسبا حساب الله في كل شيء، وأن لا تطلبا الدنيا حتى لو جاءت الدنيا لتقديم نفسها إليكما، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما.


عندما تخسرون شيئاً من الدنيا في مال أو غير مال، فإنّ عليكم أن لا تعيشوا روح الأسف والألم والحسرة على فوات ذلك، بل اعتبروا أنّ الدنيا حسب طبيعتها تعطيكم شيئاً اليوم وقد تسلبكم إيّاه غداً، قد تعطيكم شيئاً من جانب وتسلبكم إيّاه من جانب آخر.


فعلى الإنسان أن يتقبّل الدنيا بشكل طبيعي، بحيث لا يفرح بما آتاه الله من الدنيا، ولا يأسف أو يتألّم على ما فاته منها، بل يتقبّل ما أتاه من الدنيا بشكل طبيعي، ويتقبّل أيضاً ما خسره منها بشكل طبيعي، ويعتبر أنّ قضيته في الدنيا هي أن يطيع الله سبحانه، وليست قضيّته أن يحصل على مال لِيحقِّق ربحاً أو يعوِّض خسارة...


المبدأ الثاني:


وقولا بالحق.



وهذا المبدأ يعني أن يعمل الإنسان على أن يتحدث بالحقّ والصدق، وأن يلتزم أيضاً بالحقّ والصدق، فلا يقول الكذب في كل موقع من مواقع حياته، ولا يلتزم الباطل في أي موقع من مواقع حياته.


هكذا كانت سيرة علي بن أبي طالب (ع)، حتى قال: «ما ترك لي الحق من صديق». كانت قولة الحق في كلَّ القضايا هي شعاره في كلَّ مجالات حياته. وقد ورد عن النبي (ص) في تأكيده علاقة علي بالحق وعلاقة الحقّ بعلي أنّه قال: «علي مع الحق، والحق مع علي، يدور معه حيثما دار».


فإذا كنّا نريد أن نكون شيعة علي (ع) وأتباعه، في الدائرة الإسلامية الّتي التزمها علي (ع)، فعلينا أن نعمل على أساس أن نبحث عن الحق أينما هو، سواء في حياتنا الخاصة، في داخل بيوتنا، أو في حياتنا العامة في كل مجتمعاتنا، وأن لا نصدر حكماً في أيِّ جانب، ولا نتبنى موقفاً في أي جانب، إلاّ إذا عرفنا أنّه الحقّ.


يجب أن لا تكون العداوة والصداقة هي الأساس في تأييدنا للمواقف، بل أن يكون الحقّ هو الأساس في ذلك، فإذا قال عدوّنا الحقّ وكان الحقّ معه، فعلينا أن نقول الحق معه، وإذا كان صديقنا مع الباطل والكذب، فعلينا أن نواجهه لنكون ضدّه في هذا المجال.


تلك وصيّة علي بن أبي طالب (ع)، لأننا إذا خسرنا شيئاً على أساس الحقّ فإننّا سنربحه في مجال آخر.


قد يرى بعض النّاس أنّ الحقّ يعرّضهم للخسارة، ولكن الواقع أنّ الحقّ يكسبهم الربح في الدنيا وفي الآخرة.


المبدأ الثالث:


واعملا للأجر....


في كلّ عمل من أعمال الإنسان يجب أن يفكّر هل هناك أجر من الله على هذا العمل، أو ليس هناك أجر. إنّ الله يريد للإنسان المسلم دائماً، في كلّ موقع من مواقع حياته، أن يفكّر برضا الله سبحانه وتعالى، وأن يفكّر بثواب الله، فالله لا يريد للإنسان أن يقوم بأي عمل على أساس العبث، أو على أساس المزاج.


إنّ الإنسان عندما يعمل في أي موقع من مواقع العمل، ليجلب الرزق لعياله، فإنّه إذا أتىبالعمل قربةً إلى الله، وسار على أساسه في طريق الله، فإنّ الله سيجعل عمله في سبيل عياله عبادة.


وعندما يزور الإنسان مؤمناً من رفقائه، أو من أقاربه، فإذا قصد وجه الله، في زيارته له وإدخال السرور عليه، فإنّ ذلك يعتبر عبادة تقرّبه إلى الله سبحانه وتعالى.


المبدأ الرابع:


كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً.


هذا المبدأ يشمل الجانب الاجتماعي في علاقات الناس بعضهم ببعض، أو الجانب السياسي في علاقة الحاكم بالمحكومين، والمحكومين بالحاكم، وعلاقة الناس بعضهم ببعض.. أن يكون الأساس في معاونة الإنسان شخصاً على شيء، أو في الوقوف ضد شخص، هو أن يكون الشخص الّذي تعاونه مظلوماً، وأن يكون الشّخص الّذي تقف ضده ظالماً.


ولهذا لا بدّ للإنسان دائماً من أن يحدّد في مستوى الحياة الاجتماعية، من هو الظالم ومن هو المظلوم، وذلك بالتدقيق في ما يعمله هذا ويعمله ذاك، وفي ما يقوله هذا ويقوله ذلك، لا أن يكون تحديدنا للظالم والمظلوم منطلقاً من الإشاعات، أو من الكلمات غير الموثوقة، أو من القضايا الّتي تحمل أكثر من وجه، بل أن نحدد الظالم من موقع اليقين، ومن موقع الثقة، ومن موقع الاطمئنان، حتى نواجهه على أساس متين، لا على أساس منهار.


وهكذا عندما نريد أن نحدّد المظلوم، أن لا يكون تحديدنا للظالمين والمظلومين ناشئاً من هوى النفس، أو ناشئاً من العاطفة، أو ناشئاً من الصداقة أو القرابة أو المزاج. فبعض النّاس يتحرّك على أساس أن أقاربه هم دائماً المظلومون على طول الخط، ويعتبر أنّ البعيدين عنه ظالمون على طول الخط.. لا بد لنا من أن نحدّد مسألة المظلوميّة والظالميّة من غير جهة العداوة والصداقة، ومن غير جهة القرابة والبعد، ومن غير جهة التحزّب.


المبدأ الخامس:


أوصيكما وجميع ولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم.


عندما نستمع إلى وصيّة الإمام علي (ع) في آخر أيامه، فنحن معنيّون بهذه الوصية، لأنّ الإمام يقول كل من سمع هذا الكتاب فأنا أوصيه بهذه الوصيّة، وعليه أن يتحمّل مسؤوليته في تطبيق هذه الوصيّة، على واقعه وواقع النّاس من حوله.


تقوى الله هي الأساس، لأنّ تقوى الله هي مراقبة الله، وكلما راقبنا الله أكثر كلما ضبطنا مواقع خطواتنا في الحياة أكثر. يقول الإمام (ع): «أوصيكم بتقوى الله ونظم أمركم».


إنّ الإمام (ع) يخاطب النّاس: حاولوا أن تنظّموا أموركم وعلاقاتكم وأوضاعكم في القضايا الّتي تختلفون فيها، وأن تنظّموا أوضاعكم في القضايا التي تتّفقون فيها، حتى تستطيعوا أن تواجهوا علاقاتكم ببعضكم البعض، من موقع التنظيم الواعي لأموركم، في كل ما تلتقون عليه، وفي كل ما تفترقون فيه.


وهذا هو الأساس في سلامة كل مجتمع من المجتمعات، هو أن تكون علاقته ببعضه البعض، علاقات ترتكز على أساس القواعد الّتي تنظّم للمجتمع دوره في حركة أفراده، ودوره في علاقات أفراده ببعضهم البعض.


وهذه هي المشكلة الّتي لا يزال المسلمون يعيشون فيها على مستوى كل مجتمعاتهم، فإنّهم يتحرّكون كأفراد، ولا يتحرّكون كمجتمع، بحيث إنّ كل فريق يتصور نفسه كلّ شيء، أو كلّ شخص يتصوّر نفسه أنّ الحياة له، وليس لأحدٍ حقّ الحياة معه، وأنّ السّاحة له وليست لأحد غيره.


هذا على مستوى الأفراد، وعلى مستوى العشائر، وعلى مستوى الأحزاب، وعلى مستوى الطوائف.. الكل يريد أن يلغي وجود الطرف الآخر، وبذلك يتصرّف كما لو كان الطرف الآخر ليس موجوداً.